أصوات بلا صدى

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (3 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

917 views

المكان: الكويت – مجلس الأمّة الكويتي، الزمان: مجلس ٢٠٠٦

وبعد تعديل المادة 198 من قانون الجزاء الكويتي “قانون تجريم الملبس أو التشبّه بالجنس الآخر”، حدثت اعتقلات لأشخاص من متغيري النوع الاجتماعي أو ممن يدعون “المتحولين جنسياً”. فأصبحت الشرطة تلاحقهم بعد العمل بهذا القانون في سنة ٢٠٠٧ في الأماكن العامّة والخاصة بناءً على الصوت والشكل والشعر والملبس، غير مراعين العامل الطبي لتلك الحالات أو الجانب الإنساني لكيفيّة التعامل معهم.

 

سمح هذا القانون للشرطة بانتهاك كرامتهم كبشر أثناء معاملتهم “بموجب القانون” فاستباح أجسادهم وأعراضهم واعتدى على حقوقهم الخاصّة وأخلّ بشروط مبدأ “المتهم بريء حتى تثبُت إدانته”. ولُفّقت التهم لهم بحكم أنّ لا صوت لهم ولا يوجد مَن يسمعهم لأنهم فئة منبوذة في المُجتمع وأصبحوا دون أبسط حقوقهم وهو حسن المعاملة.

 

يُلقون في السجون دون أن يستمع لهم أحد. أغلقت جميع الأبواب في وجوههم حتى عند شكواهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها بحجة “أنهم أصبحوا هكذا حتى يتسلّى بهم من يتسلىّ”، ولا جمعيات حقوق الإنسان في الكويت اكترثت لما يحدُث ولا المؤسسات العامّة بسبب “الخزي الذي يشعرون به”، مُتناسين أنّ كرامة الإنسان التي يُطالبون بها هي من حق كل إنسان بغضّ النظر عن نوعه أو جنسه أو جنسيته، ضاربين بعرض الحائط كل القيم الإنسانية ومبادئها التي تدعو للدفاع عن الإنسان كإنسان وليس كشخص معين.

 

فمنذ نعومة أظفارهم وهم ينزوون جرّاء نبذ المجتمع لهم، الأهل والأقرباء ضمناً إذ هم ينتمون إلى ذاك المُجتمع ومن واجبهم نبذ تلك “الظواهر الشاذّة” كما يُسمّونها. فيُصبح الشاب/الفتاة في حيرة وحسرة في نفس الوقت، حيرة كيف ي/ترضي الأهل والمُجتمع أو نفسه/ا وما ي/تشعر به، وحسرة ممّا سيكون مصيره/ا مستقبلاً ولم هي/هو دون سائر الخليقة مَن يحدث معه/ا ما يحدث. فيبدأ الصراع النفسي الداخلي والجسدي الخارجي ليدخل/لتدخل حالة من الاكتئاب المُزمن، والأرق، وتقلّبات المزاج، والرغبة في العزلة، والكثير من الأعراض النفسية التي تُصاحب حالة النبذ تلك، فيتحوّل هذا الإنسان بكل هذا الكم من كره الذات والغير والمجتمع إلى كتلة من غضب تحرق من يقترب منها أو يُحاول أن يتعرض لها بأي شكل من الأشكال بالإضافة إلى التمرّد على الذات والمُجتمع.

 

وبعد التمرّد يتم طردهم من بيوت أهلهم دون مراعاة كيف يوفرون الأكل والشرب وغيرهما من وسائل العيش، فالمُجتمع نبذهم ومنعهم من الدراسة غصباً ومؤسسات الدولة منعت مَن يحمل منهم شهادة من العمل. الكل اتحّد وعمل على نفيهم خارج إطار المُجتمع، ثُمّ يلومونهم على ما يفعلون وما لا يفعلون بسبب هذا الإقصاء الذي تعرضوا له فسقطوا بأيدي مَن لا يرحم، وحصل لهم ما حصل ليُصبح بعض منهم خارج على القانون أو مدمناً… قلّة منهم سمحت لهم الظروف بأن يُكملوا مع ذويهم وبين أحضان حنونة لم تُفرّط بهم من أجل نظرة المُجتمع.

 

بهذا القانون، سُلبت حقوقهم بالتعليم والعمل والتطبب والشكوى حين يتعدىّ عليهم أحد لأنّ اللوّم سيكون عليهم ويُصبح الجاني مجني عليه وتُصبح الضحيّة هي الجاني الخارجة على القانون فيتم تحويلها إلى الإدارة العامة والمباحث الجنائية فتُزج في السجن لفترة غير معلومة قبل المُحاكمة وتتعرّض للاغتصاب والتعذيب الجسدي والنفسي وغيرها من الأساليب المتُبعة التي لا تمُت للإنسانية بأي صلة. يُسجنون في سجون انفرادية “متر ونصف بمترين” دون السمّاح لهم بدخول دورات المياه لأيام، تُرمى للذكور منهم زُجاجات ماء فارغة ليتبوّلوا بها ناهيك عن الزيارات بين الحين والآخر من قبل أفراد الأمن “ليتمنظروا” ويسبّوا ويختاروا ويُقيّموا من الأجمل. هذا وبالإضافة إلى حالات اغتصاب وتشويه بين المُتحولات من ذكور لإناث حدثت دون مساءلة أحد منهم عن تقديم شكوى. حق ضائع بالكامل. كأنها حياة بلا حياة، جسد بلا روح، أحياء أموات.

 

نأتي لأحد أدوارهم كأفراد مُجتمع مُتوقع منهم أن يكونوا فاعلين في خدمة مُجتمعهم، فتصفعهم حقيقة منعهم من التصويت في انتخابات مجلس الأمّة بسبب هذا القانون “اللعنة”، إذ عليهم أولاً التسجيل في مقر المُختار المتواجد غالباً داخل أسوار مخفر شرطة المنطقة، وبالتالي ذهابهم إلى هُناك يُشكّل خطراً عليهم، وإن حدث فهُناك مصيبة أخرى هي دخولهم لجان التصويت حيثُ أنها مفصولة واحدة للرجال وأخرى للنساء ومن المفروض إخراج “إثبات الجنسية” لأفراد الأمن والمسؤولين عن عملية الإدلاء بالأصوات حتى يتسنى لهم إتمامها بنجاح، وهذا يُعرضهم لخطر المواجهة الأمنية مع رجال الشرطة والاعتقال.

هل من أذن تسمع هذا الصوت الخافت ظاهرياً الصارخ المُستغيث في الباطن؟! لا طبعاً، فعادات المُجتمع المُحافظ تمنع ذلك ولم ولن تسمح به ما دامت العادات والتقاليد تحكم، فليمت مَن يموت ويتعذّب مَن يتعذّب ويحترق مَن يحترق. الكل سيُصمّ آذانه عن الحقيقة ويُعمي عينيه عنها حتى يُرضي الآخر وبقية المُجتمع، ولتجد تلك الفئة مخرجاً من أزمة وضعت نفسها بها كما يقول الجُهلاء من أبناء هذا المُجتمع الذين يملكون من الثقافة ما يكفي ولكنهم يفتقرون لمبادئ الإنسانية بعكس ما يدّعون.

 

تلك كانت همسات من وادٍ عميق إلى قمّة جبل شاهق على أمل أن يُسمع الصدى في يوم ما من شخص ما، إنسان رُبما في هذا العالم.

بقلم .D

Guest Contributor

Leave a Reply