رحلة على ملعب الضحية

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (3 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

908 views

إستبدال “ضحية” بـ”ناجية”، إستبدال صورة “الطفل الصومالي اللي عم يموت من الجوع” بصورة “إمرأة صومالية ناجحة”. إستبدال خطاب الإستضحاء المثلي بخطاب الكرامة المثلية. أنا معكن ولكن.

الظلم والإعتداء جزء شبه طبيعي من حيواتنا إن كنساء أو كأفراد شاذين عن القواعد الجندرية والجنسية الممأسسة. كيفية التعامل مع هيدي التجارب، موضوع تاني نهائياً. كيف نتعامل مع التعديات اللي منخضعلا؟ كيف منعبّر عنّا؟ كيف منتعامل مع تعامل غيرنا مع التعديات اللي خضعولا وكيف هنّي بيعبروا عنا؟

هيدي أسئلة ياما سألناها عحالنا، إن كأفراد أو كأعضاء بجماعات. ياما قلنا كل واحد يعبّر على طريقته، نحنا منآمن بحرية التعبير. بس ياما نسينا نشكك بسلطتنا، سلطتنا الجماعية.

أوّلاً، أنا، متلي متل معظم الناس اللي بعرفن عالقليلة، كان عندي تجاربي الأليمة. ومن هالتجارب كان في كتير تجارب مؤلمة لدرجة ما قدرت إحكي أو فكّر فيا. منها تجارب حملتها معي ١٩ سنة قبل ما إحكي فيا. أثرت بحياتي وعلاقتي بجسدي، وعلاقتي بمشاعري، منها مشاكل تركت فيي شعور كبير بالمرارة والغضب. وياما قطعت بمراحل عم بحضر تلفزيون خوفاً من إنّو فكّر. وأنيك من هيك، ذكرياتي المؤلمة حوّلتني لإنسان قلة ما بقدره، إنسان غاضب، حقود وبيصارع مع الإدمان.

بس متلي متل كتار غيري، هيدي التجارب خلقت فيي جوانب كتير بحبها بحالي، متل رفض القمع، رفض الصمت، التشكيك بالمسلمات، التشكيك بموازين القوى، وأهم شي تعلّمت قديش في ناس قادرة ومستعدة تسرق صوتي، تظهرني على إنّي ضحية لتسلّع تجربتي.

أكيد كان في كتير ناس ساعدوني بهالرحلة. منن رفيقتي اللي لقطتلي إيدي بنهار وقالتلي “نحنا سوا بهالخرا، إذا بتقشطي بقشط معك”. ومنن (وإن عن غير قصد) أول زلمي هاجمني وقدرت دافع عن حالي قدامه. ومنن كمان الناس اللي عرفتني عالفكر النسوي والكويري. وأهم شي كانوا الناس اللي فتحولي قلبن عمآسيهم لأنن وثقوا فيي. بقول أهم شي، لأن الناس اللي وثقت فيي بمشاكلها بالوقت اللي كنت أنا فيه ضعيفة، هنّي الناس اللي علّموني إنّو أنا قادرة كون قوية حتّى لما كون ضعيفة.

بس الشي الوحيد اللي ولا مرة ساعدني كان تسخيف تجربتي أو تحييدها على إعتبار إنّو أنا عم كون “دراما كوين”. ومش ضروري الواحد يقلي إنّو مش قابضينّي جد، بعرف من كلمة أو من حركة.

أوكي، خلّيني فوت بالموضوع بقى. بالعدد الماضي كان في قطعة بصرية نشرت عبخصوص أنا شخصياً ما هضمتا متل الخلق. قررت رد، بس قبل ما رد كان في ردود فعل وتفاعلات عم تصير رداً عهالمقال، أقل ما يقال فيها إنّا كانت مشتعلة.

وبطبيعة الحال من الواضح إنّو النقاش اللي عم بيصير ما بينحصر بالمقال المنشور. هيدا النقاش جايي من جدل إيديولوجي قديم بميم بشكل عام، وأقدم من بخصوص بحد ذاتها، وأنا صراحة كتير بحب الجدل الإيديولوجي. مش بس مهم نحكي ونناقش، بس كمان مهم ننقاش بأطر أوسع من جلسات ميم المغلقة. ومن هون أنا نوعاً ما مبسوطة بالنقاش اللي عم بيصير حول الموضوع بالرغم من حدته.

وهلّق خلوني إرجع للشي اللي أزعجني بالمقال.

أوّلاً، لعبة التمثيل، أنا مع تخطي الإستضحاء. أنا مع تسييس التجربة الفردية لإظهار نمطيات الظلم. وأنا بشراسة ضد الإستعمار الفكري الحديث القاضي بدحشنا بقوالب الضحية بهدف الإستحواذ على أصواتنا.

بس في فرق كبير ما بين تمثيل الآخرين لإلنا وما بين تمثيلنا نحنا لذواتنا. لمّا طلع مين يقلي “إطلع منا [من الإحباط]“، ما قويت وما تخطيت نفسية الضحية. بالعكس انجرحت. صحيح إنّو لما يطلع أي كان يحكي عن “وضع المثليين بالعالم الإسلامي”، أوّل سؤال بسأله، وقبل ما إقرى الحجج أو الأفكار المطروحة، هوي “مين الكاتب/ة”، “شو موقعن بالمجتمع المثلي؟”. لمّا أي إنسان يحكيني عن مأساة النساء بالعالم العربي، نفس الشي. هيدا لأنّو “تمثيل المثليين” أو “تمثيل النساء” هوي تمثيل جماعي. بينما ساعة اللي مرا بتحكي عن تجربتها، أو شب ترانس بيحكي عن تجربته، هيدا تمثيل شخصي.

يمكن إعتبر إنّو في طريقة أفضل لتمثيل فكرة، أو يمكن إعتبر إنّو في إطار سياسي للقصة… بس التجربة الشخصية مقدسة وهيي خط أحمر. ومتل ما تعلّمت من الفكر النسوي، القدرة على التعبير عن تجاربنا بحد ذاتها عمل سياسي بإمتياز.

أكيد رح تقولولي إنّو كاتب/ة القطعة البصرية عارف/ة هيدا الشي ومشان هيك حكي/ت عن “التمكين”. صح، بس كمان لما أنا بوصف الكلام عن “المثلية اللي انشحطت من بيتها والمثلي اللي انحط بالحبس…” وبعدين بحط هالحكي بإطار الإستضحاء… بعد هيك تأطير، ما بينفع نذكر التمكين. التمكين بهالإطار متل جايزة الترضية، ما بحس بالتمكين أنا من بعد ما حدا يقلي إنّو الحكي عن تجربتي هوي تسليع وصولي.

ويمكن تقولولي كمان إنّو الموضوع موضوع حرية رأي وتعبير. وأنا معكن، خلافي أنا مش مع التعبير ولا مع تخطي فكرة الإستضحاء. بس اللي نقزني وخوفني كان ببساطة إنّو ذكّرني بكتير من ممارسات بناء الهوية المجتمعية عبر تحديد القيم المجتمعية. يعني مثلاً لمّا منكون عم نكبر في بعض القيم اللي منتعلّمها بشكل مباشر، متل تحقير الأحاسيس الجنسية، وفي إشيا منتعلّمها بشكل غير مباشر، متل شرطنة الجسد.

يعني مثلاً، كانوا يقولولنا إنو السكس غلط، بس ما كانوا يقولولنا إنّو غلط البنت يطلعلا شعر على إيديها أو صدرها أو دقنها. هيي ببساطة كمية النكت اللي بتطير يمين شمال على الجارة اللي “شعر إيديها طالع” أو شعر دقنها متل الرجال” يلي كانت تفهمنا قديش مقرف شعرنا. ونفس الشي مع البنت اللي صدرها مش مشقول كفاية، أو الرقابة الإجتماعية على أحاديث العادة الشهرية. ما في حجج واضحة ليش منكره الشعر عالمرا أو الصدر المش شاقل كفاية أو العادة الشهرية، بس منعرف إنّو منكرهن، لأنن تسخفوا، تهاجموا بشكل غير مباشر، هني نكتة، هني قرف.

وبالجماعات المثلية موازين القوى بتنبنى بنفس الطريقة. منشكك ومنجرّح بالبنات البنوتات، مش لأنّو منعتبر البنت الناعمة مش ممكن تكون مثلية، بس لأنّو في تجربة معيوشة بالنسبة لكتير من المثليات وهيي كيف كانت النمطية الجندرية تنفرض علينا، وسبل المقاومة اللي منعتمدا. وبمرحلة ما منحدد مساحاتنا على إنها مساحات آمنة من هالضغوطات، ومنستثني الناس يلي ما بيلبسوا أو بيتصرفوا متلنا، تماماً متل ما غيرنا بيستثنينا بناءً على المعايير نفسها. هيدا مش معناته إنو مش لازم نخلق مساحات حرية هيدا معناتها إنّو لازم نتعلّم نخلق مساحات حرية فعلية مش مساحات قمع بديل.

وبالجماعات البديلة من ضمن الجماعات المثلية نفس الديناميكية بتخلق أوقات على مواقف إيديولوجية. متل الشرخ الأزلي بين الحراك المثلي والحراك الكويري. أو الصراع الدموي بين خطاب الضحية وخطاب التسييس. وصراحة أنا ما بيهمني بهيك مواقف كون حيادية. أنا مثلاً ما بيجذبني الحراك المثلي، وبمطارح كتير بحسه قمعي وبيصورني على إني ضحية بناءً على هويتي الإثنية والوطنية. أنا بدعم الخطاب المسيّس لأن بعتبر إنّو غياب التسييس هوي تفريغ وتسطيح للتجربة المعيوشة.

بس بنفس الوقت، كان عندي أوقات أزمة مع المقولة النسوية إنو “السياسي بطبعه شخصي، والشخصي بطبعه سياسي”. لأنو في أجزاء من حيواتنا ما بتحمل تحليل، أوقات جروحاتنا أنجأ قادرين نطلعها، فكيف بقى بدنا نقدر نسيّسها. أوقات المثلية هوية، أوقات الشحطة من البيت شحطة من البيت. إي لازم ندعم بعض لنعيد تإطير هالتجارب، بس لما منبلّش نعرّف الشعور بالضحية على إنّو أداتنا لنوصل لحقنا، اسمحولنا فيها، هيدا تحقير لتجارب الناس.

وإذا في شي أسوأ، بالنسبة إلي، من إنو الواحد يحسسني إنّو “لازم إطلع منا”، هوي إنّو حدا يتأفف على تجربتي… هيدي متل إنّو تتأفف الوحدة من وجع الميعاد تبع صاحبتا.

المقال ما قبل الأخير اللي كتبته لبخصوص كان تحت عنوان “غلامة غاضبة”. كان مقال كتير شخصي، كتبته بلحظة ضعف كبيرة بحياتي، وبهالمقال كتير شرّحت روحي وطفولتي وتصرّفت متل الضحية. وما كنت رح إحكي بهالطريقة من أي منبر تاني، ما كنت رح زلّط روحي بهالطريقة لو ما كان عندي ثقة ببخصوص، لو ما كان عندي ثقة بفريق بخصوص وبإحترامن لتجربتي. ويلّي بيخوفني أكتر شي هوي إنو الأرجح ما كنت بكتب هيدا المقال لو قريت حدا عم بيوصّف الإستضحاء بالإنتهازية.

اللي عم جرّب قوله هوي إنّو أوقات بصراعنا لمقاومة تأثيرات خارجية، متل تأثير التمثيل الإستعماري لهويتنا، منجرّح بعالم ما قصدنا من الأساس نجرح فيهن. بالنهاية، ورح عيد نفسي، التجربة مقدسة، واللي مبسوط يحكي عن نفسه على إنّو ضحية هيدا بيبقى حقه المقدس. وأي شخص بيعتبر حاله ناشط لازم يوقف عند هيدا الحد.

وهلّق من بعد ما فسرت وجهة نظري، بس بدي قول إنّو أنا فاهمة، فاهمة وجهة نظر الكاتب/ة، وبوافق معه/ا بنسبة كبيرة. بس كل مين يسيّس تجربته ونحترم الحد الفاصل بين مواقفنا السياسية وتجارب الناس. لأن من حيث لا ندري، وبسعينا للتعبير عن حالنا، أوقات منقطع حدودنا ومنخلق موازين قوى بديلة، وبدل ما نخلق لبعض مساحة من التفكير النقدي البناء منخلق مساحات إقصائية ما بيرتاح فيها حدا غيرنا. كلماتنا قادرة تكون سلاح كتير فعال، فخلينا ما منسخدم هالسلاح لشرطنة تعبير العالم عن نفسها.


Ghoulama
Ghoulama was born in the final years of the Lebanese Civil War to a family that never had money and never had a home. She’s been a proud shezze since 2008. She lets out the little creativity she has in writing and drawing. She loves her country, family, lappies, friends, as well as technology, language, science and feminism. For Bekhsoos she writes in Lebanese because that’s the only way for all her Lebanese anger and passion to come out dressed in words. Her dream is to go back home one day.

Leave a Reply