مثليو سوريا: كائنات جنسية أم أكثر؟

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (6 votes, average: 4.83 out of 5)
Loading ... Loading ...

5,151 views

بحكم معرفتي بالكثير من المثليين في سوريا، وباعتبار أن هذا  الخبر يتعلق بمجموعة من الناس الذين أعرفهم ولو ليس شخصيا، أود  أن أتحدث عن آخر الغارات التي قامت بها الشرطة على إحدى حفلات المثليين في سوريا، و تحديدا في دمشق. كما أود الاشارة إلى أن ما تناقلته بعض المواقع الناشطة في حقوق المثليين ما هو إلا تضخيم لحقيقة ما حدث، ولو أن ما حدث فعلا ليس بالأمر المقبول على الإطلاق بكافة الأحوال.

قامت السلطات السورية في شهر نيسان الفائت بغارة على إحدى حفلات المثليين التي أقيمت في دمشق، واعتقلت حوالي ثمانية أشخاص فيما سمحت لبقية الموجودين بالانصراف. وفي حديث مع أحد المقربين جدا من منظم الحفلة،علمت أنه تم اعتقال هذه المجموعة من دون غيرها بحجة ارتداء بعض أفرادها للملابس النسائية، وبحجة أن البعض الآخر كان يدخن الحشيشة. طبعا، يجدر بالذكر أنه تم الافراج عن اثنين من المعتقلين لأسباب تتعلق بالواسطة والمال. أما الستة الباقون، فما زالوا في السجن من دون أن يعرف أحد عنهم شيئا على الإطلاق، لكن ترددت بعض الشائعات أنه سيتم اخلاء سبيلهم قريبا لأنهم لم يضبطوا في أوضاع جنسية مخلة.

لكن من جهة أخرى، علينا القول أن الحملات التي رافقت هذه الغارة من قبل المجموعات المدافعة عن المثليين هي حملات مبالغ فيها. فأنا بحكم معرفتي بمئات المثليين في سوريا، لم نسمع عن العديد من هذه الغارات، أو عن غارات للشرطة في الأماكن العامة. لكن الجدير بالذكر أن النفور الاجتماعي من ظهور المثليين في العلن قد ازداد، ومعظم حالات الاعتداء على المثليين يقوم بها أناس من مغايري الجنس أو كارهي المثليين، من جرائم الضرب والسرقة والشتم في العلن والذم وأحيانا القتل. فمن فترة ليست بالبعيدة (حوالي الستة أشهر) قتل شاب مثلي الجنس بعمر التاسعة عشر على يد مجموعة من مغايري الجنس، ممن يقيمون علاقات مع شباب مثليي الجنس بشرط الحفاظ على النسق الاجتماعي المتغاير والذي هو: أحدهما يقوم ب”دور الرجل” والآخر ب”دور المرأة”. وطبعا لم يقبل أهل القتيل بالقدوم لدفنه، ولم يسمحوا لأحد بالصلاة عليه لكونه “شاذ”. كذلك يشهد المثليون في سوريا كثيرا من جرائم الاغتصاب من قبل عدد من “الرجال”، والسرقة، والتجريد من الملابس في بعض الحالات. باختصار: ذل على آخر عيار.

لكن بالعودة الى موضوع الغارة، هل لاحظتم أن ما يهم السلطات في النهاية هوعدم تجمع المثليين في مكان واحد وبأعداد كبيرة؟ هل لاحظتم أن موضوع المثلية تم التكتم عنه، واستخدمت حجة “الحشيشة” و”اللباس النسائي” على أنها المحور الرئيسي للغارة؟ لا أعتقد بأن مثليي سورية يريدون أو يحاولون القيام بأي فعل سياسي أو اجتماعي لتنظيم أو لتثقيف أنفسهم حول ماهية وجودهم كمثليين او هويتهم كمثليين أو تنظيمهم كمثليين في المجتمع. مازال المثلي في سوريا يركز كامل تفكيره على الجنس والحفلات والقيام بكل ما يلهيه عن التفكير بطبيعة وجوده في مجتمع يرفضه تمام الرفض، بل ويرفض حتى اعتباره مثليا ما لم يقبض عليه بالجرم المشهود. أنا لا أتمنى بالطبع أن يقبض على أحد لكي يبدأ بالتفكير بمعنى أن يكون مثليا في مجتمع كهذا، لكني أتمنى أن يبدأ المثليون بالتفكير فيما هو أبعد من مجرد تعريفهم الجنسي.

هل يعتقد المثليون في سوريا حقا أن السلطات السورية  التي حجبت facebook و youtube غير قادرة على مراقبة كل ما يجري على مواقع التعارف التي يتصفحونها؟ إذا كان أحد لا يشك للحظة بأنهم لا يراقبون فهو، عذرا من الجميع، إنسان غبي! ولكن ما يجعل السلطات السورية تغض البصر عن الموضوع هو أنها تدرك أن اهتمام المثليين الموجودين بالآلاف على هذه المواقع لا يتعدى الجنس في الخفاء، ولا يهدف أبدا الى أي تنظيم ثقافي أو فكري أو اجتماعي متعلق بالمثلية.

ما أريد قوله هو:  إذا كان المثليون في سوريا يعيشون القهر والذل والاكتئاب الذي يدعون، وإذا كانوا لا يملون من الحديث عن آمالهم وأحلامهم الأبدية في “التحرر” و”التثقف” و”الحديث عن” والحصول على” أبسط حقوقهم الإنسانية”، فلماذا إذا يهربون من واقعهم عندما يواجهون أي لحظة خطر؟ لماذا الإصرار على إبراز ذاتهم المثلية على أنها جنسية بحتة ولا دخل لها في ما يتعرض له رفاقهم المثليين من ذل و إهانة وقهر وسجن وحرمان من المجتمع والسلطة؟ لماذا لا يفكر المثلي منا بأن هؤلاء المسجونون هم أناس مثله، وليس مستبعدا أن ينضم إليهم قريبا بسبب غباء بعض المثليين وضعفهم وعدم عملهم للخروج من قوقعة الجهل. كم من المثليين أو المثليات في سوريا يعرفون بأن المادة 520 من قانون العقوبات 148 الصادر في عام 1949 هو الذي يجرم المثلية الجنسية؟ يتضمن نص القانون ما يلي:  “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات”.

أسأل مجددا:  كم من المثليين قام بالبحث في هذا القانون البالي الذي لم يُلقَ النظر عليه منذ عصور؟ كم من مثلي فكر بمعنى كلمة “طبيعة”؟ تعريفها؟ ماهيتها؟ أو فكر بأبعاد هذا القانون الذي يعبق بالجهل و الكتمان؟ كم منكم تساءل عن عدم وضوح القانون على الإطلاق أو عن وضوحه الزائد عن حده بالنسبة للعقول البسيطة التي تختصر كلمة “طبيعة” بتركيبين اجتماعيين لا علاقة لهما بالطبيعة، وهما “الرجل” و “المرأة.”

إن جل ما أدعو إليه هو التفكير، ولو كان هذا التفكير على مستوى الأفراد. التفكير والقراءة والتساءل والتمحيص في طبيعة وجودنا، وإن أدى هذا في حده الأدنى إلى تقبلنا لذواتنا وخروجنا من تحجيم أنفسنا في تعريف “المثليون هم أفراد ينجذبون جنسيا إلى الجنس ذاته”، وتحويل هذا التعريف إلى “أفراد أصحاب هوية أو عقلية تعنى بالتكافل والتفكير على المستوى الاجتماعي، التاريخي، السياسي، الإنساني، الأسري، وحتى الاقتصادي”، لاختلافهم عن المعايير البالية المتعارف عليها. ان هذا لوحصل، كفيل بتحقيق ولو قدرا يسيرا من التغيير.

ورح قول هالجملة اللي الكل بيعرفها ويمكن تقولوا أوف  شو قديمة وغليظة… بس الحقيقة إنو مشوار الألف ميل بيبدأ بخطوة…وهالخطوة هيي انت، وانتِ.

Guest Contributor

Leave a Reply