القالب غالب… فلنكسره

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (1 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

692 views


نهار السبت الماضي 23 اوكتوبر/ تشرين اول، تم الاحتفال بالمتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر عالميا (Tran Identities i.e. Transexuals and Intersexed people). نظمت الحلقات الحوارية والنقاشات والاحتفالات والتظاهرات والتحركات لدعم هذه القضية في حوالي 60 مدينة في مختلف انحاء العالم. خرج الناس مطالبة بشطب الهويات الجنسية والجندرية المغايرة من اللائحات العالمية للاختلالات والاضرابات النفسية. في الكثير من هذه التظاهرات الاحتجاجية تعدت الاصوات حدود المطالبة لتشجب وتحتج ضد سياسات وممارسات النظام العالمي القائم.

من برشلونة الى بوغوتا الى اسطنبول الى ستوكهولم الى سانتياغو تشيلي الى مانيلا الى حوالي 60 مدينة، ترددت الصرخات مطالبة بوقف الاعتداءات ضد المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر. اعتداءات لا تقف عند حدود التعنيف والتمييز الاجتماعيان ولا عند العنف الجسدي، بل تتخطاهم الى القتل والى سياسات الهجرة والحدود، وسياسات سوق العمل ومبادئ التشدد الديني والاجتماعي وممارسات قوات “الامن” و”الخدمات الاجتماعية” والجسم الطبي والنفساني في كل انحاء العالم. إذا كنا نرى ان التمييز ضد المثليين والمثليات شديد القبضة، فأهلا الى عالم الرعب والاكشن!

ما يواجهنه المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر هو محاولة تدميرية وتهميشية شرسة من قبل كل اطياف المجتمع بمن فيهم – وللأسف – الكثير من المثليين/ات. ان الذكورية، والابوية المتشعبة والمتأصلة في نظرتنا الى الامور تدفع العديد الى مهاجمة التغاير الجنسي والجندري. وكأن كل منا يبحث عن من هم اقل جدارة منا بلقب “رجل” او “امرأة” لإثبات انتمائنا الى ما هو “طبيعي”. وكأنها مبارة “انظر هم اكثر شذوذا منا” او “انظر انا مثلي مثلك احتقرهم وعندي مبادئ اخلاقية، هل تسمح لي بكرسي جنبك؟”. نتبارى متناسين ان “الطبيعي” السائد في المجتمع لا يتضمننا ولو حتى وضعنا على رأسنا ريشة. انا على يقين من ان الاكثرية الساحقة من المثليين/ات المتروكين على طبيعتهم لم ولن يستطيعوا موافاة شروط “الطبيعي” في هذا المجتمع وسيرسبوا في الامتحان، بدأً بالاكثر وضوحا، الممارسة الجنسية.

ان رهاب التغاير وثنائية الجنس والجندر في اوساط المثليين والمثليات ما هو الا وسيلة رخيصة للدفاع عن انفسنا لهثا وراء الانضمام الى المجتمع المغاير جنسيا لقاء اي ثمن، وان كان على حساب تغيير من نحن عليه وعيش كذبة اخرى. نلومهن/م على صورتنا السيئة في المجتمع ونحاربهن/م على هذا الاساس، وكأن المجتمع يتقبل ممارستنا للجنس والحب والعلاقات ولكنه يتوقف عندما يرى المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر. وكأن هذا المجتمع يفيض بتقلنا ولكنه ينصدم من المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر. سفاهة وسخف! المجتمع يرفضنا كلنا الى عمق صميم وجودنا! وان تقبلنا في بعض الاماكن فهو لقولبة طباع وتصرفات استهلاكية تحولنا الى مصدر اقتصادي مقابل تطبيعنا على شاكلته.

ننسى او نتناسى ان اول من دافع عن الهويات الجنسية والجندرية الخارجة عن السائد في العالم كانوا المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر، ملكات “ستون وول” (Stone Wall). ننسى ان العديد من الثقافات ما قبل الاستعمارية كانت تقدس التغاير الجنسي والجندري (جنوب و جنوب شرق آسيا، الاميركيتين بشعوبهن الاصليين، بعض القبائل في افريقيا، الاغريق). ننسى ان رهاب التغاير الجنسي والجندري ما هو الا منتج استعماري مبني على الثقافة البيضاء الابوية والعنصرية والفوقية والتي دمرت كل ما هو خارج عن مفهومها الضيق والمتشدد تجاه مفهوم الانسان والعائلة والدين وتجاه “المقبول اجتماعيا”.

نتماشى متباهين ومتباهيات بـ”طبيعيتنا” بين المتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر، ننظر اليهن واليهم نظرة فوقية او نظرة شفقة دون اي انتباه الى انهن/م اكثر شجاعة منا بالف مرة. هن وهم اللواتي لبسن هويتهن/م الجنسية والجندرية بكل فخر وبطريقة لا تقبل الشك. كل منا نحن المثليين/ات قادر على اخفاء ما نحن عليه عندما تتطلب الظروف هذا، كلنا نقوم بهذا وفق ما يتناسب مع مصالحنا الشخصية بينما هن/م يرفعن عاليا هوياتهم/ن بإختلافها وتنوعها، يبصقن وجودهن/م في وجه كل من حولهم/ن ويسرن بكل روعة مرفوعات الرؤوس على الرغم من الصفعات والنظرات والسكاكين الموجهة اليهن/م في كل لحظة… وحتى من قبلنا.

نتهم المتحولات والمغايرات بالأخص بالتأنث والعمل الجنسي واثارة قرف المجتمع، ونرفض ان نسمع او نرى سوى ما ترميه علينا شاشات الاعلام من معلومات غير صحيحة. نتكلم وكان التأنث اهانة (هل في هذا رؤية دونية للمرأة؟ نعم)، او ان العمل الجنسي وصمة عار، او كأن المجتمع لا يقرف مني عندما اقبل حبيبي. ننسى ان هذا المجتمع البار والتقي بتمييزه ضد المتحولات جنسيا بالخصوص لا يترك امامهن باب العمل سوى في تجارة الجنس وبظروف مهينة. هنا تجدر الإشارة انه وعلى الرغم من انني لا املك اي نقد لمن يمارسن هذه الوظيفة، إلا انني مع الحرية في اختيار وممارسة العمل ومع تأمين الظروف الآمنة والمناسبة لكرامة وسلامة العامل او العاملة في اي وظيفة كانت الجنس او التعليم في المدارس.

مارك، صديقي منذ اكثر من خمس سنين، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، متحول جنسيا. اب/ام لطفلة من شريكه جورج. “ولكن إذا كان مارك امرأة وهو يحب الشباب لماذا تحول، يا الله لماذا تعقيد الامور؟” ان المشكلة في هذا السؤال  تكمن اولا اننا نحكم على غيرنا وفق معرفتنا  (او قلة معرفتنا) بالامور ولا نرى ابعد من قوانين المجتمع الذي بالاساس يعتبرنا شذوذا عن الطبيعة، فكيف نقوم بتحليل كل ما حولنا وفقا لقواعده!!! ثانيا من يظن ان معادلة الجندر هي بسهولة خياري الالف او الباء ما زال ينتقص اكتشافات رائعة حول هويته/ها وجنسانيته/ها. اولا مارك لم يكن يوما امرأة ولو امتلك نهدين وبظر. مارك كان دوما شابا، ولكن جسمه لم يكن متوافقا مع هويته الحقيقية. كان او لم يكن، امر لا يعني احد! هو جسده، هو جندره، وهو فقط المخول ان يقرر ماذا وكيف ومن واين يكون.

رنا، صديقتي منذ ست سنين، مثلية شاذة ومسترجلة. “ غلام، هذه امرأة او رجل؟ انا كرجل مثلي ادعم المثليات جنسيا، ولكن المرأة مرأة، لماذا التشبه بالرجال؟ مش معقول هذا كثير، ما ابشعها! لقد اصابتني بالحيرة لا اعرف اذا هي رجل او امرأة”. اولا ان هذا السؤال مبني على تعريف واحد وضيق للـ”رجل” ومثله للـ”المرأة”. تعريف اجتماعي على اساسه لن ينجح احدا منا بإثبات انتماؤه لما هو طبيعي. انا لن انجح (ولم انجح في حياتي) في اختبار الرجولة، ولذا فانا لست برجل (اقول هذا بفخر عالي الصوت)، وهنا يكون السؤال الاولي “من أنا؟”.  سؤالي من أنا يساهم في تنمية معرفتي بنفسي وهويتي الجندرية والجنسية، وبنضالي السياسي، بينما سؤالك وحيرتك ورفضك لعدم وضوح جندر رنا او توجهها الجنسي ماذا يخدم؟ لا شيئ سوى ترسيخ الاحكام المسبقة والمسقطة. لو كان السؤال بريئا وبهدف المعرفة والتنور، لكان موجها الى رنا وباحترام، وبتشديد على ان السؤال هو بهدف استعمال الكلمات المناسبة لتعريفها الجندري الشخصي احتراما لهويتها. ما حيرتنا واثارتنا الرخيصة لمعرفة جندر الانسان الا لفتح الباب امام كم هائل من الاحكام المسبقة والافكار الرجعية تجاه الجندر والجنس. الرجل “الناعم” متأنث مخنث، والمرأة “القوية الخشنة المستشعرة” مسترجلة بشعة. هكذا نحكم، كما يحكمنا ويحاكمنا المجتمع! وهذا هو منطلق تفكيرنا بالمتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر.

آن الاوان لأن نكف عن سخافتنا وقلة احترامنا لحرية تقرير الجندر والجنس، آن الاوان لأن نكف عن بغاءنا السياسي وان نقف كلنا في صف واحد ضد رهاب التغاير الجنسي والجندري وثنائيتهما. آن الاوان ولو على سبيل رد المعروف لهذه المجموعة التي ننتمي اليها والتي كانت اول من رمى زجاجة حارقة في وجه الشرطة مدافعات/ين عن مكاننا كلنا في هذا العالم. يوم ثاروا وثرن لم يدافعن عن حقوقهن فقط، لم يحملن يافطات تتكلم عنهن فقط، لا بل على العكس، بحب واحترام حملن يافطات “الغاي” ليتفاجأن بعد ان نال “الغايز” فقط حقوقهم… انهم، اننا، نخجل بالمتحولات/ين والمغايريين/ات جنسيا وجندريا وثنائي/ات الجنس والجندر، ان المثليين “الغايز” يريدون قولبة هذه الشريحة النضالية، يريدون “تثقيف” وتطبيع هذه الشريجة الثائرة. هذه المجموعة التي تناضل برفع اليد وتطالب عبر عيش من هم/ن حقيقة، هذه المجموعة التي تتجرأ في مكان وزمان حيث “الرجال” و”النساء” جبناء ضعفاء يملؤهم/ن سم الاحكام المسبقة وسفاهة التعليقات الغبية!

- لقرائة مدوّنة “غلام أبي نواس”، الرجاء زيارة هذه الوصلة.


Gholam Abi Nawas

Leave a Reply