لا أريد أن أكتب عنها

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (7 votes, average: 3.86 out of 5)
Loading...

2,670 views

لا أريد أن أكتب عنها. لا أريدها أن تصبح حقيقة عليّ التعامل معها. لا أريد أن أعترف كم أريدها، مثلما لا أريد أن أعترف أني أرغب بشدّة بمغادرة هذا البلد الوحشي.

تدخل بابتسامة بيضاء عريضة ومرتبة، وملابس واسعة. أتوقع أن يهبط قلبي قليلاً. يهبط، وتسري في قدميّ قشعريرة من ينتظر أن يشمّ رائحة معينة، لا يذكرها من مرة الى مرة، لكنه يعرف الشعور الذي تتركه في أعماق الأنف والعنق.

تسلّم على الجميع وتتجه نحوي بعينين تنظران في كل اتجاه سواي. نحاول نحن الاثنتان ألا ننظر في أعين بعضنا. خطيرة تلك النظرة، حين تقع.

كثيرة هي ابتساماتها، ولم أرها تبكي سوى مرة واحدة، ذلك اليوم الذي امتلأت عيناها الكبيرتان السوداوان بدموع حمراء لسبب أجهله.

تجلس على مقربة مني أحياناً، وتجلس بعيداً في كثير من الأحيان. أشعر بنظراتها تصيبني في أنحاء جسدي، وأراهن أنها تشعر بالمثل. أسمع ضحكتها العالية، وتضحكني نكاتها الذكية أحياناً، لكنني لا أمنحها فرحة رؤيتي كي لا تدرك أن أذنيّ شديدتا الحساسية على صوتها، تلتقطان معظم ما تقول. نتحادث معاً، من دون أن نتخاطب فعلاً. تخبرني كثيراً من الأشياء فيما تتوجه الى شخص آخر غيري، وكذلك أفعل أنا.

يثيرني جسدها المكتنز والمشدود، ونهاداها العارمان المكشوفان لبرهة دائماً. لا أذكر متى بدأ كل هذا. تغريني بنظراتها الهاربة مني دوماً، والتي ان التقت بي عن قصد أو عن خطأ، تسارع الى الهروب مجدداً. يغريني بعدها، وادراكي أنها تريدني أيضاً. تغريني عن قصد، كمن تعرف ما تفعل. نجلس لساعتين في الغرفة ذاتها، من دون أن ننظر الى بعضنا أو نتكلم معاً، لكن نقطة ارتكاز حواسي تكون الزاوية التي هي فيها. أراها تسترق النظر اليّ حين لا أكون أنظر اليها، أبتسم في داخلي، أفرح. أنا أيضاً، أغريها سرّاً عن قصد.

لا أعرف ان كنا ننأى عن بعضنا لشدّة ما نريد بعضنا، خوفاً من الرغبة، خوفاً من جموح تخمّر لليال طويلة وكثيرة، أو خوفاً مما قد يلي ذلك الجموح. متى سنحصل على بعضنا لبضعة ساعات؟ كيف سآخذها، كيف ستأخذني؟ هل سنكون في السرير، أم على الكنبة، أم واقفتين بجانب الشباك المفتوح على مداه؟ هل ستطلبني أم سأطلبها؟

أحياناً، أصدّق بثقة من ترى نفسها في المرآة، أن هذه الليلة آتية لا محالة.

كيف هي رائحة عنقها وما بين نهديها وما بين فخذيها؟ ما الذي لن أفعله، كي أعرف تلك الرائحة! كيف هو طعم لسانها، وباطن فخذيها، وأسفل ظهرها، وأصابع قدميها ويديها؟ لو مررت بخدي أو أسناني برفق فوق كتفيها وحلمتيها وردفيها وذراعيها الطويلتين، هل ستطلق تأوّهاً خافتاً؟ كيف هو صوتها عندما تتأوه؟

ما الذي لن أفعله، لأعرف كل ذلك.

كيف ستخلع ملابسها، هل ستتردد وجِلة أم ستخلعها بثقة كثقتها حين تتحدث؟ عماذا سنتحدث بعد أن ننتهي؟ كيف سننتهي؟ هل سنتحدث عن النضال والثورة، أم عن موسيقانا المفضلة، أم عن لون النبيذ الأجمل؟

ما الذي لن أعطيه، لأشعر بها من الداخل.

هل جلدها ناعم أم سميك، طريّ أم قاسِ، شعره متروك أم منزوع؟ لم ألمسها يوماً، حتى للتحية والسلام.

لسبب ما، أتساءل كثيراً عن طرقها في الجنس، ما تحب وما تفضل، كيف تبدأ وكيف تمارس، بجديّة أم بضحك، بتحفّظ أم بوقاحة ودمار شامل، لكنني لا أسأل عن نفسي. أشعر أني أعرف تماماً ما أريد فعله لها، وكيف سأبدأ وكيف سأنتهي، لكن بي فضول كبير لأختبر الشعور كمن انتظر مئة عام ليشمّ وردة، أو يتذوق قطرة ندى.

أستفيق. أنتبه. أخاف من أن يحدث ذلك، أكثر مما أخاف ألا يحدث. لا أعرف كيف لي صبر ألا أكلمها وألا أرتب لقاءاً بها الا اذا حدث ذلك صدفةً. لا أعرف كيف أرغب بها بشدّة، لكنني قلّما أفكر بها خارج اشتهائي لها الذي يستبدّ بي بعد رؤيتها صدفةً. لا أريدها أن تغدو صديقتي، لا أريد أن أراها كثيراً. أستمتع بحضورها الغائب، وغيابها الحاضر هكذا. تثيرني هذه اللعبة التي أشعر أننا اتفقنا عليها سرّاً.

لا أريد أن أكتب عنها كي لا تغدو حقيقةً، لكن ما الذي لن أعطيه، لأعرف ان كانت قد كتبت عني يوماً؟

بقلم “ج.”

Leave a Reply